قرية ابو ذهب التي ولدت فيها مثل اي قرية اخرى في المشخاب حيث زراعة الرز وخاصة العنبر والنخيل بانواعه لكن الفلاحين كانوا يزرعون بكميات اقل رزا يسمى (نعيمة) وثالث يسمى (حويزاوي) وهو احمر اللون وكلاهما اقل قيمة من العنبر ولا رائحة فيهما مثل العنبر.
ولم تكن عائلتي تزرع الرز وليس لها ارض للزراعة. كانت العائلة قد جاءت الى المنطقة حين جاء آل فتلة اليها واستوطنت بقرار من الجهات التي كانت تحكم العراق قبل تاسيس الدولة العراقية فتم توزيع اراضي الاهوار على العشائر لزراعتها ولان اجدادي كانوا مع آل فتلة يديرون اعمالهم لانهم الوحيدون الذين يعرفون القراءة والكتابة ولديهم كل السجلات الخاصة بامور الزراعة وغيرها.
ونقلا عن الوالد فان جدي عرض عليه تملك قطعة ارض له يستغلها كما يشاء لكنه رفض مفضلا العمل مع اصدقائه من آل فرعون وخاصة الحاج صيهود ال شنتة الذي كانت حصته في اراضي هور نعيم التي سميت ابو ذهب وشقيقه عبد نور
وكانت حصة ال مجهول في الجنوب في منطقة سميت (الكوثري) وفي الشمال في منطقة الشاطي كانت حصة عائلة عبد الرضا واخوانه وهادي ال سكر وعلي ال سكر وكلهم الى الشرق من اراضي شيخ العشيرة عبد الواحد آل سكر آل فرعون.
كانت عائلتنا متميزة في القرية تعد عائلة متدينة ولنا مضيف يؤذن فيه في اوقات الاذان ونقيم في ليلة كل جمعة عشاء لمن يحضر من ابناء المنطقة وفي معظم الاحيان يكون هناك رجل دين من النجف يخطب في الحاضرين مذكرا بمقتل الامام الحسين عليه السلام كما جرت عليه العادة في القرى والارياف.
وحين قررت عائلة الشيخ صيهود شراء مولدة كهرباء لاول مرة في المنطقة في الثلاثينيات من القرن الماضي كنا الوحيدين الذين مدت الى بيتنا الاسلاك الكهربائية فكان لدينا النور الكهربائي والمراوح وغير ذلك مما كان في ذلك الوقت.
ورغم اننا من عشيرة الحمدانية الا اننا ارتبطنا بعشيرة آل فتلة ومنذ قديم الزمن وما زال العبض منا يحمل لقب الفتلاوي اعتزاز بعشيرة آل فتلة في حين حمل الاخرون رسميا لقب الحمداني وقد زرت مع الوالد عدة مرات شيخ عشيرتنا في مسكنه في اليوسفية قرب بغداد وهو الشيخ خضير شويرد وكان شخصية حكيمة يدير شؤون ابناء العشيرة المنتشرين من الشمال الى الجنوب.
لكني اذكر جيدا زعماء آل فتلة ومنهم الشيخ عبد الواحد احد قادة ثورة العشرين وقد اتيح لي وانا طفل ان ارافق والدي لزيارته في مضيفه في المنطقة الواقعة على نهر الفرات شمال المشخاب. وهناك سلمت على الشيخ عبد الواحد واذكر انه كان نحيلا وكان ذا شخصية جذابه محترمه بين اهله وعشيرته وقد توفي عام 1956.
لكن الاهم من ذلك علاقة عائلتنا الطيبة والمتينة مع عائلة الحاج صيهود واكبر ابنائه الشيخ شاطي وهو متزوج من كريمة الشيخ عبد الواحد وكانت ام عبد الاله اميرة بكل معنى الكلمة باخلاقها وتصرفاتها وكنت العب مع اولادها عبد الاله اطال الله في عمره وعادل وريشان رحمهما الله .
كان بيتنا الى جوار بيت ام عبد الاله نعدها اما لنا انا واخوتي ترعانا كابنائها الثلاثة وكنت العب مع اولادها عبد الاله اطال الله في عمره وعادل وريشان رحمهما الله. كانت اميرة تحمل كل صفات الرقي في التصرف والسيرة وحب الاخرين.
اما راهي نجل زعيم عشيرة ال فتلة الشيخ عبد الواحد ووريثه في الزعامة فلم اكن قد تعرفت عليه في المشخاب اذ انتقلت الى بغداد في وقت مبكر لكن الرجل اتصل بي عندما كنت معاونا للمدير العام في وكالة الانباء العراقية (واع) ثم زارني عدة مرات في الفترة من عام 1967 الى عام 1969 في مقر الوكالة عندما كانت في الصالحية قرب الاذاعة وكان معظم حديثه معي عن المشخاب واهل المشخاب وحكايات عن تاريخ المدينة التي كان اسمها سوارية ثم سميت (الفيصلية) عند تولي فيصل الاول عرش العراق بعد استقرار الوضع وانتهاء ثورة العشرين.
وكانت مفاجأة وصدمة لي ان اسمع خبر اعدامه في 25-1-1970 تنفيذا لقرار مجلس قيادة الثورة رقم (72) في 22/1/1970 بتوقيع رئيس الجمهورية احمد حسن البكر.
كان عمر الشيخ راهي عند اعدامه 46 عاما (رحمه الله).
-------
غدا الحلقة 3 الاخيرة من هذه الذكريات.