( هاقد مات عليٌّ والصلاة بين شفتيه ) جبران خليل جبران الليلة نحن في ضيافة جرح ، ليس ككل الجراح ، جرحٌ طويلٌ وعميقٌ وغائر ، اربعة عشر قرناً مرت ولما يندمل ذلك الجرح ، سيفٌ صقيلٌ أختير بعناية ، وذراعٌ دُرِّبت وامتهنت حرفة الغدر ، وامامهما رأسٌ ساجد، وهل بعد هذا من إغراء لعطش الدماء والخيانة .. في محرابك حيث الدموع والآهات ومناجاة تلحقٌ نحيب ، هاهو جرحك يفجرُ أنين أمة ، وصراخ ايتام وثكالى... جرحك يمزق سكون العالم ، يزلزل رمضان بسيل من الاهات والجهشات.. يمنحنا لحظة مراجعة ، لما جرى ولماذا ، هل كان حتماً انك تقتل وانت ساجد ... ويح القتلة ، لماذا قتلوا هذا الدين وهو في مهد نموه وترعرعه ، سيف غادر غبيٌ في لحظة غادرة غبية ، حطم أمة برمتها ، ومزق أشلاء البراءة والامان والحلم... كانت الصلاة حرم الله ، بها نلوذ ونحتمي ، ترى كم من ساجد غدروه بعدك ياعلي ، كم من عابد اتصلت روحه ببارئها غرزوا في ظهره خنجر حقدهم وخيانتهم... هل حسبنا لهذه حساباً ونحن نتطلع في عصور الخيانة والدم والسلب ، أية عروبة ترضى. أنا ذا بمسجد العروبة ساجدٌ أتلوا صلاة محبتي السمحاءا هي فرصة للغدر لكني بهم وبغدرهم أتندرُ استهزاءا"١" ونحن ماذا هيأنا لجرحك هذا السنة ، دموعٌ ، حزنٌ وسواد ، وعويل ثكالى ، ونكسة في عيون الرجال ، هل كان لجرحك ان يكون دليلاً لطريق الالام اللاينتهي ، طريقٌ طويل قطعناه ياجريح الله ، منذ ذلك الغبش وحتى هذا الهزيع من مسيرتنا خلف وجعك ، ونحن في قمة حزننا عليك وغربتنا فيك ، كنا واهمين ، ضيعنا الطريق والدليل ... جرحك هذه الليلة له طعم لايشبه تلك الليالي السالفة ، كانت امهاتنا يحزّن يرتدين السواد ، وكن طيبخن ( الرز وادامه اللبن ) والآباء كانوا يطلقون العنان للحاهم والبعض كانوا يطفئون الانوار في بيوتهم ، انه حزن لابد للسواد ان يكحله ، وايُّ حزن وانت الذي كنت تكبر على الألم وتكابر ، فلماذا توجعك الساعة ؟ الشيبةٍ خضبوها بدماء رأسك ؟ ، أم انهم فوّتوا عليك ماتبقى من رمضان ، كلا قد يكون وجعك للفقراء والايتام ... من لهم بعدك ياعلي ؟ بعد ساعات كان الجميع ينتظر النهار فيطوونه نحو مغيب جديد ، وانت سيدي ماذا تنتظر ؟ ، دمٌ والام ، وهاهم الفلذات يلتفون حولك والاصحاب يتبارون في التخفيف عنك ، عجباً لهم اما علموا انك تعد لهذه الساعة العدة ، لحظة لحظة ، وهم سكون ، كاظمي دموع حسرة وألم وقد غلبهم سيف اللعين الى هامتك ، وتكلمت ، ليس للجرح مكان في حديثك، أوجزتها ( اطعموا القاتل من شرابي وطعامي، ان كتب لي الحياة فأنا ولي دمي ، وان متُّ فضربة بضربة وإياكم والمثلى ، فإني سمعت رسول الله يقول ان الله يكره المثلى ولو بالكلب العقور ) بكلمات قصار حسمت كل شئ ، لكنك تحدثت طويلاً لأولادك واصحابك ولنا جميعاً عن مشروعك ورؤيتك للدين والله والحياة ، واول كلامك كانت الصلاة وكتاب الله ( لايسبقكم بالعمل به احد ) لله انت وانت تجود بجرحك ، تخفف عنا وقع المصاب ، وتعلمنا السير على دربٍ لم يتركوا لنا ان ننعم بك سائراً به الى النهاية ، وماذا في الامر فهاهي خارطة الطريق ترسمها ولايتيهُ عنها الا المغفلون... سيدي ، هاهي القرون تتوالى ، والموتى تغمرهم القبور والنسيان ، الجروح تتعافى ، والايتام كبروا وتعلموا ، الثكالى نزعن ثوب الحزن ، والاباء تسربلوا بثياب النسيان ، لكن مابال جرحك ظل يصرخ فينا ؟ ، يبعثر ما تدثر من ذلنا وتقاعسنا ، ظل جرحك ، ينزف دماً ومروءة وكبرياء... هذه الليلة ياعلي ، ليلة الالم المداف بالحسرة ، عليك سيدي ونحن نطوي المسافات نبحث عن خلاص لضياعنا ، خلاص لتشتتنا... عن أي دنيا كنت تتحسرُ ياعلي ، ( خلافتكم عندي لاتساوي شسع نعل ) ( اتركوني وتلمسوا غيري ) ولكنها حسرة على مايأتي ، حسرةٌ ، اننا ضيعنا بعدك السؤال عن الجواب ، وطفقنا نلوذ بمن لاذوا بك باحثين عن بلسمٍ لحيرتهم ... أمّـن عنده مثلك يبحث عن خلاص ؟ كيف تبحث الشمس عن نور ؟ والبحر عن ماء ؟ وتبحث ثكلى عن دموع ، وايتام عن صراخ وانين ، ونحن ها نحن ذا نبحث عن مخلصٍ وندعي ابوتك ، نمرغ وجوهنا كل ساعة صاخين السمع لصدى صوتك ، ( استغن عمن شئت تكن اميرة ، احتج الى من شئت تكن اسيرة ) ( الناس صنفان اما أخٌ لك في الدين او نظير لك في الخلق ) ،ونحن تقسمنا وتشتتنا ، الى اصناف كثيرة متناحرة ، نقتل بعض ونغيب بعض ،ونحتكم الى اليهود والنصارى ، ننتصرهم على اخوة لنا في الدين والوطن والرزق ارأيت ياسيدي كم ضعنا ، خسارتنا بعدك فادحة ، وهاهي بلادنا يتاجر بها قادتنا بين الشرق والغرب ، ولاخلاص لنا الا العودة اليك ، والى منهجك وسيرتك ... "١" البيتان للشاعر السوري احمد سليمان الاحمد