كل مايطرح هذه الايام من كلام للاخوة الملحدين ، حول الخلق والنشأة الاولى والنبوة والمعاد وكذلك قصة ولدي ادم واقتتالهما ،وقصة المهدي المخلص ، هي امور قديمة طرحت منذ قرون ودار حوار وردود من الاخوة اهل الاديان حولها ، والغريب في الامر ان كلا الطرفين يعيدان مقولاتهم نفسها ، ماطرحه الملاحدة رد عليه اهل الاديان ، واليوم اسلاف الملاحدة يعيدون الاقوال نفسها ويواجههم اسلاف الدينيين بنفس اقوال متقدميهم ومنظريهم جوهر ذلك يأتي من ان الدين والالحاد قديمان قدم الكون نفسه ، ولو تأملنا في القرآن والتوراة سنجد ان جل طروحاتها تتعلق بالقضايا هذه التي يناقشها كلا الطرفين ، القرآن يتكون من ستة الاف اية ويزيد ، فيه اقل من خمسمائة اية لتنظيم شؤون الحياة والتي تسمى ايات الاحكام من زواج وطلاق وبيع وايجار وارث وقوانين وصلاة وحج وزكاة وصوم وكل مايندرج تحت مايسميه الفقهاء ( العبادات والمعاملات ) ، وعلى الخط نفسه نجد ان القرآن يرصد مايزيد على الالفين آية ( ثلث القرآن ) للحديث عن الحياة الاخرى والموت والبرزخ هل تساءلنا لماذا هذا التفاوت والاطالة والاسهاب في ميتافيزقيا الكون على حساب الحياة الدنيا وتفصيلاتها ، فالقران حصر في خمسمائة اية امور حياة الناس ومتعلقاتهم وترك لهم التفصيل والتحديث ، ولكنه في امور المعاد تفصل وتوسع كأن القرآن يريدنا ان ندرك جيداً ان البحث والحديث في الماورائيات ليس بالامر الهين ، فالانسان مهما اوتي من اطلاع وتبصر فإن قضية المعاد تحتاج منه لبحث عميق ووقت طويل ، ومن هنا فإن البعض من الذين بحثوا في العقائد حصروا الايمان بقضيتين ( التوحيد والنبوة ) حتى انه اخرج الايمان بالمعاد من شرط الايمان اذا كان انكار المعاد لايرتبط بانكار التوحيد والنبوة ، وهذا الكلام ربما نسمعه لاول مرة ، او ان معظم من يتحدث حول الديانات يضع لها اصول ثلاثة هي ( التوحيد والنبوة والمعاد ) وهي متصلة مترابطة ومتولدة عن بعض حسب تسلسلها ، لانك ان امنت بالله الخالق الواحد الاحد ستؤمن حتماً إنه جلت قدرته وبلطفه الكريم سيبعث انبياءومعلمين وهداة للبشرية ، وهم الانبياء صفوة الخلق ، ولانه جل جلاله عادل وهي من اهم الصفات التي لايمكن ان نسلبها منه ( العدل والقدرة) فإن عدله يحتم ان يكون هناك حساب وثواب ، هذه الدنيا القصيرة الفانية قياساً بعمر الكون لابد منها من يوم يقف فيه الجميع بين يدي رحمته ، ولكن هناك من الناس من يؤمن بالله خالقاً اوحداً عادلاً قادراً ويؤمن بانبيائه ورسله لكن لديه توقفاً وتردداً في مسأله المعاد وبعث من في القبور ، سواء اجساداً ام ارواح عليه فان كل اهل الاديان الثلاثة يؤمنون بمتلازمتين اساسيتين التوحيد والنبوة ، اعتقد سر قوة الاديان تكمن في هاتين المتلازمتين ، فلو نزلت الاديان بتفصيلات وتعقيدات لما استطاعت الاديان الصمود في وجه المتغيرات التي شهدتها البشرية طيلة مسيرتها الطويلة مهما تطورت الحضارات ، من اختراع الزراعة والكتابة الى الصعود الى القمر والمريخ ، فإن متلازمتي الدين ضلتا صامدتين ، ونجد في اعتى قلاع العلم والتكنلوجيا من يتمسك بهما ويهتدي بسبيلهما ، ولهذا وجدنا علماء راسخون في المادة والذرة والرياضيات وشتى العلوم يؤمنون بالتوحيد وان لهذا الكون خالق مدبر يقف وراء انشائه وتوسعه وان من تجليات هذا الخالق ولطفه سلسلة الانبياء وسيرهم ومواقفهم عبر التاريخ التي في اقل مايمكن ان ننصفها انها سير لم تتقاطع والناموس البشري في التطور والازدهار والحرية المسؤولة لا تشغلنا كثيراً الحوارات التي تدور ، حتى وان افتقدت للمعلومة والدليل بل حتى وان انحدر البعض الى السباب والسخرية والتهجم ، الدين لن ينتهي ، وهو ليس نظرية سياسية او اقتصادية حتى ينهار جدار في برلين او الفاتيكان او في الكعبة نفسها لتزول معه ، كلا لو كان الدين نظرية سياسية او امبراطورية لن نجد مليار مسلم او يزيد وملياري مسيحي ، بل لذهبنا الى متاحف التاريخ للبحث عن الدين ... كلما تشتد هجمة الاخوة الملحدين على الدين كلما تماسك الدين اكثر وانتعشت انهاره بماء جديد ومنابع دفاقة تملأ الارض اخضراراً وربيعاً ، وهذا من دلائل وجود الله سبحانه ، واثر نعمته على موحديه وعابديه.... الدين يتعرض للتغير ، وكذلك قد يساء فهمه ، ويفسره القائمون عليه تفسيراً متعسفاً ، حتى القرآن يتعرض اليوم كما تعرض بالامس وكذلك سيتعرض في قابل الايام لتفسيرات آنية تأويلية لها اغراض ودوافع مرحلية ، ولكن مادام الدين صمد في وجه الهمجية والامبراطوريات العسكرية والديكتاتوريات فلا نخشى عليه من عصر الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان وتكنلوجيا الاعلام ...