كتب احد الجنود الامريكان في مذكراته ، وكان مكلفاً بحراسة صدام في سجنه ، انه سأل صدام يوماً هل ندمت على شئ في حياتك ؟
فقال : نعم ، ندمت على غزو الكويت .
وواضح ان حسابات الندم عنده تتعلق بالربح والخسارة السياسية وتبعاتها ، وليست بموازين الاخلاق والانسانية ، وإلّا فأيُ حاكم مهما كان ، تجد لديه وقفات ندم على قرارات اتخذها في حياته ، حتى يؤثر ان معاوية بن ابي سفيان كان نادماً أشد الندم على قتل حجر بن عدي الكندي ...
سقتُ هذه المقدمة ونحن نعيش غداً الذكرى السابعة والعشرون لأجتياح قوات صدام حسين للجارة الكويت ، وبعد اربعة عشر سنة من سقوط نظام صدام حسين ، وتحول الدولة الى حكم ديمقراطي تمثيلي .
اليوم لابد لنا من قراءة التاريخ وبالذات ماجرى فجر الثاني من آب ، اسباباً وتداعيات ، ولماذا حدث ذلك ؟
ولماذا لاتكون مراجعتنا للتاريخ من خلال البحث العلمي ومراكز الدراسات والابحاث بعيداً عن العاطفة والقوالب الجاهزة والايديولوجيا العاجزة عن تقديم التبرير المنطقي للاحداث ؟
فالعراق الجديد مازال يعاني من الجار الشقيق وكأن الامور لم تتغير ، كنا نعتقد أيام الازمة ان قرارات الامم المتحدة ومجلس الامن والتعويضات التي فرضت على النظام كان الهدف منها انهاكه واضعافه وتقزيم قدرته وهي قد فعلت ذلك وسهلت للامريكان الانقضاض على النظام بسهولة وسرعة لم يصدقها القاصي والداني ، ولكن سياسة الانهاك والتعويضات استمرت بل تجاوزت الحدود بفرض فوائد وغرامات تأخيرية بل وتعدت ذلك بالتجاوز على حدود العراق الدولية واستمرار سياسة عزله بحرياً ، اذن نحن بأزاء ثوابت وسياسات تتمسك بها الكويت رغم التغييرات الجذرية التي طرأت على القرار السياسي في العراق ...
الكويت مازالت تتعامل مع العراق بسياسة ممنهجة مهما اختلف نظام الحكم في بغداد ...
كان صدام حسين يقول ان الكويتيين يتآمرون على العراق بإغراق سوق النفط لخفض الاسعار وتدمير الدخل العراقي من العملة الصعبة ، ألم يفعلوا ذلك ام كان النظام يفتري عليهم ؟
كان النظام يقول انه دافع عنهم طيلة حرب ثماني سنوات ضد ايران وكانوا يدفعون بسخاء هم وآل سعود لاستمرار الحرب وتطاحن الطرفين ، ألم يفعلوا ذلك ؟
كان النظام يقول انهم لم يطالبوا بحدود مع العراق طيلة الحرب خوفاً من مواجهة ايران ، واليوم زحفوا يقضمون حدود العراق البحرية ومعهم قرارات الامم المتحدة التي استصدروها بالدولار والرشاوى ، ألم يفعلوا ذلك ؟
الكويتيون يقولون في تحشيدهم الاعلامي ضد صدام ونظامه انه قاس ومجرم ويدمر شعبه ، واليوم انتهى النظام فلماذا تعمد الكويت الى القسوة والاجرام بحق الشعب العراقي واستغلال ظروفه الداخلية ؟
أي قانون في العالم يفرض على شعب رازح تحت حكم ديكتاتور ان يدفع فواتير الحرب ؟
تلك القضية حصلت في اوروبا ، وبسبب بسيط ان الشعوب الاوربية وخصوصاً فرنسا والمانيا كانوا يؤيدون حكامهم نابليون وهتلر ، وكلنا يعلم ان هتلر كان يحضى بثقة ودعم وتأييد الشعب الالماني ، حيث وصل الى الحكم عن طريق صناديق الاقتراع وليس بانقلاب او ثورة ، ونابليون كذلك كان الشعب الفرنسي يعشقه حد العبادة ، وعندما عادَ خلسة من منفاه أُرسلت حامية لالقاء القبض عليه ولكن الجنود عندما صاروا وجها لوجه اما بونابرت الاعزل من السلاح هتفوا جميعاً ( يحيا الامبراطور ) !
هل ينطبق ذلك على الشعب العراقي ؟
هل وصل حاكم لسدة الحكم قبل ٢٠٠٣ الا فجراً والناس نيام لايعلمون سوى ان البيان رقم واحد سيصدر بعد قليل ....
وهكذا سيق الشعب كالقطيع الى مقاصل الموت والعذاب والجوع تحت راية العروبة والدفاع عن الكرامة والامة العربية ، وأفرغت الخزينة بمعونات للدول العربية ، ناهيك عن أعداد كبيرة من الكفاءات والمختصين الذين أعيروا لدول الخليج وغيرها للنهوض بواقعها الاداري والمهني ، وبعد ان اختلف الحكام العرب ، واصبح صدام مشكلة بعد ان كان حلاً وحامياً ، رفعوا شعار الشعب المظلوم ، ولكنهم اليوم اشد ظلماً وأقسى ، حتى اريقت دماء وضحايا وخلفت ايتاماً وارامل تفوق ماخسره الشعب العراقي في كل حروب ونزاعات عصره الحديث ...
من هذه الزاوية يجب ان ندرك ، ان التاريخ يجب ان يقرأ بعيداً عن العاطفة والتناقض ، كون صدام مجرم لاخلاف في ذلك ولكن مشاكل العراق الخارجية هي هي أياً كان من يحكم في بغداد ...