نتطلع بأعجاب الى بعض البدان المتحضرة وهي تطبق مبدا العدل بين افراد المجتمع في العصر الحديث, وإنّ كل مجتمع أو جماعة أو فرد مٌنادِ بالعدالة وهو يأمل في تكوين مجتمع يقوم على أساس القسط والعدل.. حتى ان هذا المبدأ يتضمنه اكثر الدساتير في العديد من البدان . وقد غاب عن بالنا ان هذا العدل قد تحقق في المجتمع الاسلامي منذ اكثر من 1400 سنه على يد شخصية عاشت الوجود الإنساني بكل معانيه وسعت الى تحقيق انسانية الانسان من خلال تحقيق العدل الالهي بالتعامل بين افراد المجتمع بشكل يحقق ادمية كل فرد دون تمييز بين شخص واخر تلك الشخصية (هو الامام علي بن ابي طالب{ع}) الذي سعى الى تحقيق العدالة الربانية في منهج حياته وحكمه .وهنا لا نريد الخوض في الجوانب والصفات الشخصية لأمير المؤمنين عليه السلام بقدر ما اريد تسليط الضوء على التوازن في شخصه العادل ذلك التوازن العجيب الذي اضاف الجمال في حكمه موزعا العدل والقصاص حتى على اقرب المقربين منه وحتى على نفسه اذا حاد عن خط العدل المرسوم من البارئ سبحانه وتعالى . ان تحقيق العدل وصفة العدل هي صفة أخلاقية عظيمة اتصف بها الله سبحانه وتعالى وامرنا بتطبيقها منهجا في حياتنا وهي كقيمة أخلاقية من القيم التي شهدت بشواهد كثيره من حياة امامنا العادل علي بن ابي طالب (ع) . فقد عرف الامام الانسان وفطرته وطبيعته وقد سعى بكل جهده من منطلق إنسانيته إلى تحقيق إنسانية الإنسان التي يجادل اليوم دعاة حقوق الإنسان فيها، فأصبح يجسد فيها مقاليد الحكم واقعا عمليا ويحول النظرية فيها إلى تطبيق فعلي أن يطبق مبادئ حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية على مستوى الأرض بأفعاله قبل أقواله ، لذلك كان عالما باحتياجات الانسان الذاتية على مستوى القيمة والحاجات الاساسية وهما تحقيق القيمة الانسانية للفرد في مجتمعه وكذلك حاجاته الانسانية التي تحقق قيمته الانسانية، فهاتان الحاجتان تنبه اليه الامام قبل علماء الاجتماع وعلم النفس في العصر الحديث. فالإمام علي (ع) يدرك ضرورة هذه الاحتياجات للإنسان فإذا لم يستطع الفرد أن يشبعها فيجب على المجتمع أو الدولة إشباعها، اذ سعى الى حل هذه المشكلة في كل المجتمع ، ولو أخذنا هرم الحاجات الذي وضعه العالم «ماسلو» وانطلقنا منه فنجد أن الإمام عليا (ع) عالج هذه المسألة معالجة وافية وما توجيهه إلى مالك الأشتر باعتباره حاكما إلا ليشير إلى أن إصلاح هؤلاء الناس هو إصلاح في صلاح المجتمع والقبيلة والعشيرة ونحن إذا أردنا التعرض لنماذج لعدالته (عليه السلام) لاحتجنا إلى مجلدات طوال، ولكن نقول: إن العدالة كانت نصب عينه، وملأت وجوده وكيانه، فقد كان (عليه السلام) يرى أنه في العدل صلاح البرية. وقد كان (عليه السلام) يسد جوعه بكسرة خبز يابسة، وقليل من الملح ليكون مستوى معيشته كأضعف الناس. فإن مثل هذا السلوك لا يمكن أن يصدر من غير علي (عليه السلام)، فهو نتاج تربية الرسول محمد (صلى الله عليه وآله)، فإن عدالة علي (عليه السلام) نشأت من العدل الإلهي وسعى لتطبيقها. ولذا أصبحت عدالته نموذجاً واضحاً لكل القادة وطلاب العدالة على مرِّ القرون، ومصداقاً مشرِّفاً للإنسان المسلم المتكامل الذي يستطيع أن يكون قدوة في جميع المجالات والدولة فحقاً لم يعرف تاريخ الإنسانية شخصاً كعلي (عليه السلام) خلد اسمه إلى الأبد، وارتسمت صورة عدالته في أذهان البشر، فقد كان عاشقاً للعدالة، مولعاً بها إلى غايتها القصوى.
د.محمد عبد الهادي الجبوري