كتب احد الاصدقاء المميزين منشورا يتعلق بثقافة المراجعة والاعتراف بالخطأ ولاهمية الموضوع ولكتابتي عنه في مناسبات سابقة اورد نص الصديق العزيز واسفله التعليق الذي كتبته متمنيا ان يحظى بالاهتمام قراءة ونقاشا وتعليقا ونشرا لاهميته القصوى.
نص الصديق:
يخبرنا التاريخ ان كثير من الكتاب والمثقفين في العالم ،
طرأت على مسيرتهم الفكرية تحولات واعادة مراجعة ،
اندريه جيد ، سارتر ، همنجواي ، وغيرهم كثير ،
لكن لماذا لم نشهد يوما اعتذارا او "اعادة تقييم" لادباء وشعراء ومثقفين لدينا ايام حكم النظام السابق ؟
لم نشهد اعادة تقييم للمرحلة السابقة من سامي مهدي مثلا والذي ينبري يوميا لتقييم ونقد العملية السياسية في العراق الان من موقعه على التواصل الاجتماعي ،
ولم نشهد اعتذارا او توضيحا او عملية نقد للسلبيات والايجابيات للفترة السابقة كذلك من حميد سعيد (وهو الذي اعتذر من ابو جعفر المنصور) عند تهديم تمثاله –وهذا شيئ جيد–
لكنه لم ينبري ويكتب لنا تقييما لمرحلة طويلة تسيد هو وسامي مهدي وعبد الجبار محسن واخرين المشهد الثقافي العراقي الرسمي ،
واذا كان اعتراضهم ان ماجاء بعد حكم صدام سيئ ،
فهذا لاينفي وقوع جرائم واخطاء اثناء حكم حزب البعث ،
اضافة الى ان احد اسباب الذي اوصلتنا الى ما نحن فيه هو الاخطاء الكارثية لحكم صدام ،
فلماذا لم يقيموا تجربة عمرها ٣٥ عام كانوا هم شهودا فيها ؟
برغم اني اعتنق فكرة النسيان (بالمفهوم النيتشوي)
وبرغم اني هنا لا ادعو للانتقام او الملاحقة او ما شاكل من اساليب ارفضها ،
لكن حتى مانديلا ايقونة التسامح في العالم دعا الى الاعتراف والاعتذار اولا وصولا الى التسامح اخرا ،
لكن يبدو ان العقلية العربية بعيدة الى الان عن ثقافة النقد والاعتذار واعادة التقييم ..
فشاعر القبيلة يكابر ولايعتذر الا للأقوى..
تعليقي على النص:
عزيزي في نصوص سابقة لي تعرضت لامراض وعلل مجتمعاتنا وجدت ان من اهمها غياب ثقافة الاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه وثقافة احترام وقبول من يعترف بالخطأ وعدم تعيره به او اسقاط هذا الاعتراف باثر رجعي على السلوك القادم وهذه العلة ليست عند هذه الطبقة التي اشرت لها وحسب بل هي سمة عامة في النخبة والعامة.
في مسارات اوربا ومجتمعات حققت نقلات مميزة يتحول المفكر والمنظر بعد مرحلة اختبار ورسوخ الى ثقافة امة ولذلك يؤسس النخبة لسلوكيات معرفية وعقلية وروحية وانسانية تدفع بالعامة ان تسير على خطاها ومن هذه الامور تعميم ثقافة الاعتذار والاعتراف بالخطأ في مجتمع يقر بوضوح بالنقص في المدارك الانسانية والقدرات البشرية ويؤكد ضرورة الاستفادة من التجربة.
قدوتنا ورموزنا اهل البيت عليه السلام يقفون بادعيتهم وكلماتهم امام الله سبحانه وتعالى بلغة اعتراف واعتذار عجيبة تكاد تشعر ان حياتهم ليست ما نعرفه وهي ثقافة النظر الى قدر من اخطأت بحقه وليس الى قدر الخطأ نفسه لذلك تكون كل الاخطاء كبيرة ولكننا في مجتمع يجحد ويتنصل من اي فعل خشية الادانة او العقاب او التعيير او الملامة وهي ثقافة نزرعها في الاطفال الذي يتنصلون وينكرون اي سلوك خاطيء عفوي منهم ويسارعون الى الحلف والايمان من اجل رفع المسؤولية عنهم لانهم لا يجدون آباء يحترمون اعترافهم بالخطأ ومسامحتهم عليه وتشجيعهم عمليا وليس بالكلام على قول الحقيقة فآبائهم يحاولون التملص من فعلهم صغر او كبر ولا يعترف بعضهم للبعض الآخر بخطأه وقد يدين ويعير بعضهم البعض بفعل مرت عليه سنين لذلك يتشاطرون في النفاق والكذب والتدليس من اجل الهروب من الادانة.
الموقف ذاته في المدرسة فالمعلم والمدرس والمدرسة لا تحتوي كلمة او سطر في درس تتحدث عن الاعتراف بالخطأ ولا يمارس هذا السلوك لا في المجال العلمي ولا في القضايا الشخصية وبالمقابل يخشى التلميذ والطالب من الادانة لذلك يجتهد في الاعذار الكاذبة ويصبح الكذب المفبرك ميزة حتى صار المجتمع يتداول مثل كذب المصفط احسن من صدق المخربط فالمجتمع لا تهمه العفوية وإن كانت مبعثرة بل يريد سياق متماسك من الحديث وان كان كذبا او ريائا.
الامر يسري للعمل والسوق وجميع مناحي الحياة وعلى رأسها علاقة المواطن بالسلطة فهذه الاخيرة هي اكثر من دفع بمجتمعاتنا الى سلوك النفاق وتغطية الخطأ والتهرب منه خشية الادانة والعقاب ودفعت المجتمع الى ثقافة اخفاء اي معلومات او تفاصيل شخصية يمكن ان تجعل السلطة تأخذ بعنق الشخص عليها حتى وان كان لا جريرة لها ولا علاقة بها فهي شاطرة في الادانة والعقاب ولذلك صارت استمارات طلب المعلومات والتفاصيل بمثابة الفزع والرعب الذي يطارد الاشخاص ليهتك استار الخفايا او اي نقص وتعممت ثقافة التجسس والبحث عن عورات الآخرين.
نلوكها الف مرة الاعتراف بالخطأ فضيلة وافضل منه مسامحة واحترام من يعترف بالخطأ ولكننا في البيت والمدرسة والعمل والدين والسياسية والادب والمعرفة والرياضة بل حتى اللهو والمزاح نتشاطر في التفصي والهروب من الخطأ والنأي بالنفس عن اي ادانة خشية العقاب او اللوم او الانتقاص محاولين تغطية ذلك بوجوه النفاق والرياء والكذب ومتحملين توتر الاخفاء وقلق الكشف والذي يجر علينا ليس فقط امراض روحية واخلاقية بل امراض جسدية مثل القولون والحساسية وامراض المعدة فضلا عن التشويش النفسي والعقلي.
اننا بحاجة الى صرخات اعتراف صادقة لا تنطلق من الرياء ايضا يتسابق لها اشراف القوم وعلية المجتمع من كل الاتجاهات قبل العامة يؤسسون فيها لثقافة الاعتراف بالخطأ والندم عليه وتقديم الاعتذار للمتضررمنه وفي ذات الوقت احترام وتقدير هذا الاعتراف وان يشاع ذلك في البيوت والمدارس ومحلات العمل والسياسة والدين وفي كل مكان .
تذكروا دائما انه يجب ان تكون مسطرة الحكم والفعل هي "من يقترف المعصية فليرمها بحجر" فقبل ان تضع نفسك جلادا لتعزير الآخرين على سلوكهم الخاطيء تأكد انك لم تفعل مثله او اسوء منه لانه وكما يقول الشاعر عار عليك اذا فعلت عظيم.