نحن بأمس الحاجة الى عالم اخر، تسوده القيم والاخلاق والمبادئ الانسانية.
لقد اثبت داء كورونا ان الانظمة السياسية، بمختلف اشكالها، جعلت الانسان امام الواقع المر ، فقد انهارت مؤسسات الدول، المتقدمة والمتخلفة، واصبح الشخص يواجه مصيره الحتمي منفردا.
ان العودة الى الخليقة الاولى والتي يكون الانسان فيها هو المحور، من ناحية وجوده وحاجاته وامانيه في عالم جديد، تسوده العدالة , هي المسعى القادم للنظام العالمي.
لقد اثبتت التجارب الحياتية ،على مر العصور ،ان مشكلة الانسانية الازلية في هذا الكون تتلخص في محورين :
– الانسان وذاته في بحثه عن العدالة والمساواة والسعادة .
– الانسان وعلاقته مع البيئة ،من حيث الانسجام بعدم اجتثاثها او تلوثها.
على مر الازمنة حاول الانسان العيش ضمن هذه المنطلقات ، سواء بشكل بدائي او مجتمعيا ، بيد ان تطور الحياة ومن ثم تعقيدها في المراحل اللاحقة خلق اشكالات كبرى ، والتي اصبحت تحدد وضعه ، فلم يعد الانسان ذاتا يقرر مصيره بنفسه ، بل اصبح ضمن تشكيلات اجتماعية ، تفرض قيودها وقوانينها على سلوكه ، من هنا واجه الانسان اشكالية ثالثة :
– الانسجام مع الجماعة .
غير ان الواقع الجديد جلب معه انماط متنوعة من تنظيم العلاقة بين الافراد ، ففرض قوانينه ، لذا نشأت لدينا الانظمة السياسية المتنوعة والتي جعلت الانسان يتواجه مع اشكاله الرابع :
– القبول بالنظام الاجتماعي القائم .
مما حتم عليه الوقوع في موضوع القبول او الرفض لهذه الانظمة .
من هنا ودخولا في احادث القرن العشرين وتحديدا بعد الحرب العالمية الاولى ،عاد صراع الانسان الى المحور الاول، المتمثل في بحث الانسان عن ذاته وسعادته ومساواته، ذلك ان الانظمة الحديثة حورت مجرى الحياة باتجاه اخر ، لم يكن قد سلك من قبل والذي اتخذ اشكال مختلفة من الانظمة ، فمرة تجده يسير نحو الاستغلال للموارد البشرية ومرة اغتراب المرء عن واقعه ، مثل تنوع الأنظمة السياسية في البلدان ، فهنالك نظام الطغاة وفي بلد اخر نظام رأسمالي وفي اخر متخلف او متطور ،علميا او اجتماعيا ، لكنها في المجمل تتجه نحو حصر الموارد بيد السلطات وتراكم الثروات بيد افراد ،مؤسسات او هيئات ،مما خلق على مر الايام الازمة الخامسة للإنسان :
– النضال او الصراع ضد هذه الانظمة .
اتخذ هذا الصراع انواع مختلفة وانماط متعددة ودفع الانسان فيه تضحيات كبرى ومازال ينزف في هذا المجال ، وامثلة على ذلك كثيرة :حركات الاستقلال والتحرر الوطني ومقارعة الدول الكبرى ، بعض هذه الحركات نجح في اقامة سلطته والبعض فشل ، مما انتج بالتالي عبء جديد على كاهل النسان والمتمثل في الاشكالية السادسة:
– صراع الانسان مع نظامه السياسي ، المتخلف للحصول على حريته ، صراع الانسان للتخلص من استغلال الانظمة المتقدمة.
لكن الانظمة المتقدمة قفزت بسرعة الى الامام خلال مرحلة زمنية قصيرة مستغلة التطور العلمي والتكنولوجي ، فصارت مهمتها نهب الثروات واستنزاف الطبيعة ، مما ادى الى ان يصبح عملها متمحورا في :
– الانسان صار رقما في معادات الربح .
– تخريب الطبيعة وتلوثها.
– تحويل التطور العلمي الى وسيلة للأرباح .
نحن هنا ، نعيش هذه المرحلة ، بكل تجلياتها واشكالها وانماطها السلوكية ، بالإضافة الى ما تفرضه هذه الانظمة من قوانين دولية ، تقيد او تحاصر او تشرذم الافراد ، سواء على مستوى رعاياها او الاخرين ، مناوئين او حلفاء .
وسط هذه المعادلات الحياتية المعقدة اصبح الوضع بالنسبة الى الانسان مجهدا ولا افق فيه لأي شكل من اشكال التغير او الاستبدال او العودة الى الشكل الانساني الاول ، الذي حفظ قيمة الانسان لذاته وكرامته ، بعدالة اجتماعية ومساواة .
مرض كورونا كشف كل المستور من هذا التاريخ الطويل ، الذي مر الانسان به ، حيث اصبح يواجه مصيره الفردي بنفسه وليس ثمة انظمة( عادلة ) تحميه او تقية شر ما يخطط له رأسمال وعولمة الانظمة السائدة الان .
ان الاستمرار بهذا النظام العالمي سيقود البشرية الى التعاسة والتهلكة ولابد من بحث عن مخرج اخر ، يعيد الى الحياة رونقها وبهاءها ويجعل من الانسان قيمة ، بعيدا عن التلاعب بمصيره بشكل اهوج من قبل افراد او شركات او حكام اغبياء وطغاة .
انها دعوة لان يلتقي الحكماء والمصلحون والمثقفون لانقاد البشرية مما هي سائرة نحوه .