جرس الالفاظودلالتها في "تحت نصب الحرية" إنموذجا
أن النصوص الشعرية التي تتماهى من شعر فليحة حسن ومحمد الماغوط وغيرهما من شعراء الانسانية، في توظيف الواقع وما يحمل من مرارته السياسية والاقتصادية الاجتماعية و..، حتى تكوّنَ صورا فنية في شعرية لافتة، تجذب القارئ اليها من خلال الفن والجمالية في الخروج عن المألوف الشعري
ومِن تلك النصوص ديوان "يخسفُ الظلُ المقصلةَ" للشاعر هيثم نجم طوير، الظلُّ الذي له سمة الخطاب الشعري، والذي استل منه النقد الادبي ها هنا قصيدة "تحت النصب الحرية" حين خسف المقصلة، ليكون أنموذجا شعريا عن اغلب النصوص الشعرية، مع إشارة هذه السطور الى السمة الغالبة للديوان حيث خطاب مضمونه الشعري يقارب شعريا نفَس وخطاب شعرية فلحية حسن ومحمد الماغوط وغيرهما في هذا المضمار، ومن جهة ثانية دراسة السمة الفنية في بناء النص الشعري، إلا وهي جرس الالفاظ وعلاقتها بالمدلول الشعري لـ" تحت نصب الحرية" الذي يتحد مع خطاب النصوص الاخرى في الديوان، وهو انتصار للإنسان الحر في كل مكان، للمتظاهرين والمحتجين على عنف ودموية مقصلة السلطة الحاكمة، فالخطاب الشعري للنص ببعده الانساني من خلال توظيف دلالة المكان للخطاب الشعري " تحت نصب الحرية"، وهو ساحة التحرير .
ترى جوليا كريستفيا في كتابها علم النص:((ان الجمع بين الوحدة الدلالية والاخرى، واستبدال الواحدة بالأخرى، يوحدان الخطاب، ويجعل التفكير في (الكلام) حاضرا هدوءا مستمرا يسود حين يقوم بفعل الجذب (حين يقوم بفعل احتمالي))، فالفعل الاحتمالي كان حاضرا منذ بداية النص ( الاول والثاني/ كلاهما../ وجهان للدولار/ قامت القيامة../....) في استبدال الدلالتين أحدهما للأخرى فمَن هو الاول ومَن هو الثاني وما علاقتهما السببية بالقيامة التي قامت تحت نصب الحرية في ساحة التحرير ببغداد ومثلها تحت كل نصب للحرية في العالم ؟،
كما كان حاضرا هذا الفعل في نهايته حين استبدل الشاعر فعل الدلالة عن الشهيد الى فعل القول المُعبر عن دلالة الذات الملتاعة للشاعرة، إذ فعل الدلالة عن الشهيد:(تحت نصب الحرية/ ثمة جسد / يسبح بالدم/ وجدوا في جيبه / جوالاقديما / شاشة مكسورة مثل قلب أم / ولا رصيد ../ بين فوهات البنادق / يؤمن الاتصال / بها)، ليبدأ استبداله بفعل دلالة الذات الشاعرة بنداء الرب المختوم بعلامة تعجب :( ربّاهُ..!/ اسمع نداءنا / هذه المرة ! / واعدك ../ لن اذكر اسمك في التحقيق )
أما من حيث الجرس وعلاقته بالمدلول العامللخطاب الشعري قيد الحياة هنا، فنلحظ صوت السين منفردا اول الامر في المفردات:(جسد، يسبح، مكسورة، اسمع، اسمك)، المفردات التي لعبة دورا هاما في الدلالة التي تحولت الى مدول شعري جديد ضمن السياق لمدلول النص ..، فصوت السين الذي يكون معه في نفس المخرج الصوتي، صوت الصاد في المفردات :( نصب ، رصيد ، الاتصال ) إذ دلالة (ولا رصيد ..) هنا تحولت الى مدلول( لا حياة بين فوهات البنادق) مع احتفاظها بمعنى خلو هاتف الشهيد من وحدات اجواله القديم لتكون ضمن فعل جذب احتمالي جديد كما قالت جوليا كريستفيا في بداية الحكاية النقدية الادبية هنا، وليكون استبدال المفردات التي تحمل صوت السين والصاد، التي تخلق جذبا الى الفكرة من خلال احتمالية الاستبدال هذه ..، كما أن اغلب علاقتها الدلالية ضمن السياق تكوّن علاقات مجاورة للمعنى .
ثم نلحظ ترابط صوت الجيم في: ( وجهان ، وجدوا ، جيبه ، جوالا )، مع دلالة المفردة التي تؤدي وظيفة خلق المعنى بفنية وجمالية من خلال نفاد كل طاقتها في سياق الجملة، فتكون دلالة الاول والثاني وهما رمزا للسلطة مرتبطة بالفساد السياسي والفساد المالي والاداري المعبر عنه بالدولار فهذه الرمزية للسلطة الفاسدة والناهبة للثروات لها وجهان، وهي نفسها فكل واحد منهما يمثل وجها للفساد والنهب، والمرتبطة بمقصلة قتل المتظاهرين حين وجدوا في جيب الشهيد المتظاهر جوالا قديما خاليا من الرصيد دليلا على تراكم الفساد الذي أوصل الشعب الى هذه الحال،ومثلها نرى الترابط في الدلالة استعمال صوت القاف في المفردات ( قامت، القيامة ، التحقيق)...،
فبعد أن كشف النقد الادبي السمات الفنية للخطاب الشعري في ديوان الشاعر هيثم نجم طوير "يخسفُ الظلُّ المقصلةَ " طبعة 2020في "دار الصواف"، من خلال انموذج يمثل اغلب الديوان ضمن ما تقدم، والذي صار واضحا في سماته الواقعية ومرارته التي شملت اغلب المجتمع العراقي ، ليجتاز المحلي العراقي الى البعد الانساني فاغلب البشر اليوم له معاناته بعد ان فضحت "ازمة كورونا" فساد النظام العالمي الجديد، ذلك النظام الرأسمالي الجشع المبني على الكذب والزيف وشعارات حقوق الانسان، والتي هي مجرد شعارات خاصة بعد الاحتجاجات الجديدة في قلب النظام العالمي الجديد، في مدن امريكا ولندن وبرلين وغيرها، ضد العنصرية وتردي الاوضاع المعيشية وتراكمات النظام الرأسمالي العالمي الجديد، لتكون شاشة الجوال القديمة والمكسورة في نص "تحت نصب الحرية"، تشبه قلب ام شهيد بطل من التحرير، وتشبه قلب أم من أصول افريقية في امريكا، وتشبه قلب أم بيضاء في لندن مات ولدها بسبب حروب بريطانيا الخارجية على دول وشعوب تطلب السلام لا غير .