عندما تذكر بغداد لا بد من ذكر شارع الرشيد الذي يفترض ان تحتفل امانة العاصمة بغداد اليوم الخميس بمرور 104 سنوات على افتتاحه. شارع الرشيد الذي افتتح عام 1916 يمثل تاريخ العراق منذ بدايات القرن الماضي حتى الان
كان في سنوات شبابه محط الانظار ومركز القوة لكنه في النصف الثاني من عمره بانت عليه الشيخوخه فنافسته شوارع اخرى في الاهمية في بغداد التي اتسعت عشرات المرات عما كانت عليه في يوم مولده 23 تموز 1916.
** الشارع الكبير
حسب معلوماتي المتواضعة كان اول اسم يطلق على شارع الرشيد (الشارع الكبير).
لكن والي بغداد العثماني خليل باشا الذي افتح الشارع وربما الزمرة المحيطة به مثل اي زمرة تحيط بكبار المسؤولين اطلقوا على الشارع اسم (خليل باشا جادة سي ) وهو اول شارع ببغداد ينور بالكهرباء ومن المفارقات انه الان بعد 104 سنوات يشكو في كثير من مفاصله الظلام الدامس.
كان خليل باشا اخر ولاة العثمانيين في بغداد قبل ان يدخلها الجيش البريطاني بقيادة الجنرال مود الذي قال في بيانه لاهل بغداد يوم 19 اذار (جئنا محررين وليس فاتحين). لكن الجنرال مود لم يهنأ باحتلال بغداد فقد انتقمت بغداد منه باصابته بمرض الكوليرا ومات بعد 8 اشهر وبالتحديد يوم 18 تشرين الثاني 1917 ودفن في مقبرة الانكليز في باب المعظم وكما هو معلوم فقد صنع له تمثال كان في الصالحية قبل ان يقوم الشعب باسقاطه في الايام الاولى لثورة 14 تموز 1958.
** خليل باشا جادة سي
وكانت اللوحة المعدنية التي تحمل اسم الشارع (خليل باشا جادة سي) معلقة على جدار جامع (السيد سلطان علي) الى مابعد الخمسينيات من القرن الماضي ، وسمي هذا الشارغ عند اهل بغداد باسم ( الجادة العمومية ) ثم سمي ( الشارع العام ) واخيرا عندما اجتمعت لجنة تسمية الشوارع والمحلات في بغداد في عهد الملك غازي عام (1935) اطلق عليه اسم ( شارع الرشيد ).
واذا كان العراقيون قد عانوا في النصف الثاني من القرن الماضي من الحروب فان شارع الرشيد بدأ ايامه الاولى بالمعارك بين العثمانيين الذين كانوا يحكمون بغداد وبين الانكليز الذين استولوا على بغداد وشارعها بعد 8 اشهر فدخلها 40 الف جندي في اذار 1917 ليعلن الجنرال مود كلمته الشهيرة في بيانه لاهل بغداد يوم 19 اذار "جئنا محررين لا فاتحين" تماما كما فعل الرئيس الامريكي جورج بوش يوم اعلن غزو العرق في 19 اذار لتحرير العراق.
هل هي مصادفة ان يوم 19 اذار عام 1916 كان الغزو البريطاني و19 اذار 2003 بدء الغزو الامريكي.
** للتاريخ: افتتاحه لاسباب حربية
وللتاريخ فان شارع الرشيد لم يفتح من اجل عيون العراقيين فقد كان ذلك لأسباب حربية ولتسهيل حركة الجيش العثماني وعرباته امام القوات البريطانية فتم العمل في هذه (الجادة) كما كانت تسمى بصورة مستعجلة وارتجالية رغم معارضة العلماء ورجال الدين البغداديين عند ظهور عقبة امام استقامتهِ ببروز أحد الجوامع على الطريق جامع مرجان قرب الشورجة كما كان يصطدم بأملاك المتنفذين والأجانب من المشمولين بالحماية وفق الامتيازات الأجنبية، وكذلك لقلة المال المتوفر لدي الوالي العثماني لاستملاكها، لذلك وجب حصول انحناءات في الشارع تبعاً لهذه العراقيل.
وعند افتاحه في الايام الاخيرة للحكم العثماني قام خليل باشا حاكم بغداد وقائد الجيش العثماني بتوسيع وتعديل الطريق العام الممتد من الباب الشرقي إلى باب المعظم وجعله شارعاً باسمهِ كما بدأ بتهديم أملاك الفقراء والغائبين ومن لا وارث لهم، وهكذا أصبح الطريق ممهداً واسعاً تسلك فيه القوات العثمانية.
تحية للشارع العجوز الذي كان شاهدا على الاحداث الكبيرة في تاريخ العراق الحديث من تظاهرات وثورات واجتماعات ومعارك واغتيالات كما كان مركزا للاسواق والمصارف والمدارس والفنادق ودور السينما واملا من محبي هذا الشارع ان تبدي الدولة اهتماما به ورعايته وتحسينه ليكون مركزا تاريخيا للعراق الحديث.