كان ذلك مطلع تشرين اول من عام 2019 ، حين اندلعت احتجاجات غاضبة. سالت فيها دماء . واتشحت مدن عراقيةوبالسواد. ولهذا السبب ، وربما لغيره أيضاً ، كانت ساحات الاعتصام مقصد شبكات اعلامية ، معظمها غربية.
مقهى الشابندر الى جانب ذلك ، تحتفظ بغداد بمقهى تراثي ، هو مقهى الشابندر ، الكائن على ضفة شارع المتنبي. و يديره ، الحاج محمد الخشالي. ورغم انه قد فجع بمقتل اربعة من أبنائه اثر تفجير المقهى من قبل الارهاب قبل سنوات، فانه لم يبرح المقهى. الذي اعيد ترميمه ، واصبح مقصد المثقفين والرسميين والوفود. الشاي والحامض يختلط مذاقهما بدخان النارگيلة والمعسل. ويلاحظ ان زواره من الجنسين. تجد السافرة مع آخر مكياج ، كما تجد المحجبة وما بينهما من طلة متوازنة. المقهى واحة بغدادية جميلة . وحين ازور شارع المتنبي ، اقصد المقهى، واقضي وقتاً فيها. وغالباً تكون مكان مواعيدي ولقاءاتي مع أصدقائي، خاصة القادمين من المحافظات.
وحدث ذات يوم .. وعقب اندلاع الاحتجاجات باسابيع قليلة ، حللتُ في المقهى ذات صباح. تصفحتُ الوجوه. وثقتُ الزيارة بالصور. وحدث ما لم اكن اتوقعه. دخلت المقهى بعثة اعلامية . عرفتُ لاحقاً انها بعثة التلفزيون السويدي ، تتقدممهم الاعلامية استينا وزميلتها المصورة ومرافق عراقي. بعد ان استراحت وتصفحت الوجوه ، حلت بجانبي . لم يكن حاجز يفصل بيننا. ولم يكن هناك تباعد اجتماعي تفرضه خلية الازمة. لماذا قصدتني استينا ؟. اترك البحث في الاسباب .. الدال والمدلول ، وماهو ثابت وما يزول كما يقول الصديق المفكر اليساري عبد الحسين شعبان. المشهد يقول : بعثة التلفزيون السويدي ، تطوقني بالصور وتصر على انتزاع حديث ما عن مستقبل الاحتجاجات. لماذا الاحتجاجات مهمة لدى الاعلام الغربي..؟. والسويد ليست دولة كبيرة كما اميركا او روسيا او الصين مثلاً. ضاع مفتاح الذاكرة ؟! كان كلامي مزيج هزل وجد . وتذرعتُ بضياع مفتاح ذاكرتي. وامام ذلك دعوت استينا ان تقرا تقاطيع راحة يدي. كانت عيناها الزرقاوان ، تعاين راحة يدي. لا ادري هل التقطت عيناها تلك الاخاديد التي حفرتها المسحاة وانا افلح الارض الطيبة بدءاً من سنوات طفولتي ؟. هل شاهدت عيناها آثار عصا معلم الابتدائية لطيف حين جلدني احد الايام ، لاني جئتً متأخراَ ؟. لكنها كانت في متعة وهي تعاين . كانت عرافة ذكية . قالت همساً شيئاً خطيراً عن ايام قادمة تتعلق بي. لكنها اوصتني بان احتفظ بالسر ، في بئر صحراوي عميق. كنت امام مشاهد صنعتها المصادفة. ولعل الحصيلة صيد صحفي أنشره ..