سناء البيسي وضعت صورتي الشخصية غلاف .. فرأيت نفسي في ميادين و شوارع القاهرة
قبل الغروب عدت من رحلة نهرية نيليه جميلة قضيتها لمدة ساعتين وانا على ظهر قارب سياحي وسط القاهرة الوقت كان قد حان لانطلق الى مبنى صحيفة الاهرام العريقة فقد كنت على موعد مع احد الزملاء الصحافيين الدكتور الإعلامي و الفنان التشكيلي محمد الناصر لاسجل حوارا معه استقليت تكس الى المقر الرئيسي في حي بولاق الذي اوصلني للمبنى صعدت الى مكتبه وشربنا الشاي والقهوه ونحن نتحدث في الشعر والرواية والفن والموسيقى والفن التشكيلي والطرب والمسرح وكل الفنون وتحدثنا عن الصحافة وروادها وبعد ان انتهى تسجيل الحوار اهداني نسخة اصليه للعدد الأول من صحيفة الاهرام الذي صدر عام 1875 ثم دعاني للصعود الى الطابق العلوي لامر ما صعدنا بهدوء ومشينا عبر الممرات ذات الرخام الأبيض وتوقف امام باب كان مغلقا .
قائلا : ستدخلين الان الى كاتبة وصحافية كبيرة وفنانة تشكيلية .
قلت : وانا كلي حماس من تكون ياترى ؟ لكن انتظر قليلا دعني ارتب هندامي أولا لاتقرع الباب حتى انتهي من ترتيب شعري فقد عدت للتو من رحله نهرية
قال : لا عليك ونقر الباب نقرا خفيفا ثم دفعه واصبحنا وسط المكتب
كانت جالسة خلف مكتبها تلك اديبة والكاتبة الصحافية الكبيرة سناء البيسي ابتسمت ابتسامة رقيقة ونهضت من خلف مكتبها صافحتني بحرارة بعد ان عرفت انني زميلة قلم وفكر وضيفة في القاهرة دعتنا للجلوس كنت اعرفها من خلال كتاباتها ومن خلال صورتها الشخصية التي لم تغيرها ابدا في الصحافة او خلف كتبها الأدبية هي نفسها بوجهها الأبيض المدور وشعرها الكستنائي الذي اختارت دائما ان يكون عند اول كتيفيها وعينيها العسليتين الناعستين وابتسامتها الرقيقة جدا والتي تكاد ان تكون علامة فارقة لها .
جاء صوتها المنخفض الهادئ يسالني هل اختار القهوة ام الشاي واخترت الشاي ثم سالتني عن مؤلفاتي وعن عملي في الصحافة ولمن قرات من ادباء والصحافيين المصريين والاديبات المصريات وتركتني اجيب كما اشاء في حضرة الشاي .
قلت : قرات لك مصر ياولاد ، ست الحبايب ، دندنة ، هي وهو ، وللصديقة الاديبة سناء صليحة ارجوزات ، بياع الفرح ، ومن القدامى قرات لامينة السعيد ، سهير القلماوي، وسعاد حلمي، وهدى شعرواي ، روز اليوسف، صفية زغلول، وأيضا علي امين ومصطفى امين عبد الحميد جودة السحار نجيب محفوظ وعبد الوهاب مطاوع والكثير .
ابتسمت ابتسامه عريضة كلها رضى وطلبت مني صور شخصية لتنشرها في المجلة التي اسمها نصف الدنيا التي كانت رئيسة تحريرها .
غادرت مكتبها وانا اشعر بانني كنت عند عملاقة صحافة واديبة تحمل كل ملامح الفن في وجهها ووجدانها وقلبها وروحها اعطتني كل ارقامها الشخصية لاعود لزيارتها مرة أخرى واوصلتني بكل تواضع لباب خروج مكتبها مودعة بنفس الابتسامة الرقيقة التي استقبلتني بها انشغلت كثيرا بعد زيارتي لها في ارتياد الاوبرا والمسارح والملاهي مع الأصدقاء والتجوال بالمتاحف ولم اعاود زيارتها وابقيت اليوم الأخير قبل سفري لزيارة خان الخليلي والحسين ثم انتقلت للميادين لاتفاجئ بصورتي الشخصية على غلاف المجلة في كل الشوارع ومع باعة الصحف والمكتبات اصبت بالدهشة لدرجة ان الباعة والمارة كانوا ينظرون الي خلسه ان كنت فعلا انا التي صورتي على الغلاف ؟
اشتريت يومها عددين واحد للارشفة وواحد ليبقى ذكرى حملتهم وطرت بهم عائدة سعيدة بهذه المفاجاة وسرعان ما أجريت اتصالا بها اشكرها واشكر لطفها ولفتتها .
فردت بصوت هادئ رزين كانه ات من خلف الاهرامات
قائلة : مريم حبيبتي اهلا بيكي باي وقت وابقي تعالي لزيارتنا دائما ده انت بتنوري مصر كلها
اجبت : اعتقد ان نورك كفاية اشكرك مرة أخرى كيف لا اات وانت رئيسة تحرير مجلة نصف الدنيا ومصر هي ام الدنيا .
مريم محيي الدين ملا
روائية سورية